عدد الرسائل : 34 العمر : 34 النوع : ذكر تاريخ التسجيل : 13/07/2011
موضوع: الحكمه من الصوم الأربعاء 10 أغسطس - 18:22
الحمد لله الحكيم الخبير، العليم بما خلق وقدَّر وشرع وهو على كل شيء قدير، فرضعلى عباده الصوم ليعلم من يتقيه، ويسمع من يناديه، ويقبل من آوى إليه، جاء برمضان، وأنزل فيه القرآن؛ هداية للإنس والجان، فله الحمد أولاً وآخراً،وله الشكر ظاهراً وباطناً، له الحمد في الأولى والآخرة وهو السميع البصير،والصلاة والسلام على البشير النذير، خير الأتقياء، وسيد الأنبياء، وإمامالعابدين الأخفياء، كثير الجود والصدقات لاسيما في شهر التقوى والرحمات،فصلوات الله وسلامه عليه ما هلَّ لرمضان هلال، وما أفطر مسلم برزق حلال،وما أنفق مؤمن في سبيل الله المال، صلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبهوالآل، أما بعد:
سمى الله - عز وجل - نفسه "الحكيم"، فشرع لعباده ما ينفعهم، وهو أعلم بذلك: {أَلَايَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}1، ومما شرعوفرض صيام شهر رمضان المبارك، أياماً معدودات، وفي صومها من الحكم
نقف لحظات قصيرات مع بعض أسرار وحكم الصوم علَّنا أن ندرك ما تقوىبه عزائمنا، وتعلو به هممنا، ويزداد به إيماننا وقربنا من مولانا، وقبلالكلام عن الحكمة من الصوم ينبغي أن نعلم أن الله يشرع الشرائع والأحكاملحِكَمٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، وقد شرع الصيام وأوجبه على عباده لحِكَمعديدة، وفوائد عظيمة في الدنيا والآخرة، من تلك الحكم:
1- ما ذكره الله في قوله: {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَمِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}2، فبين - سبحانه وتعالى - أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى مزية عظيمة، وهي جماع الخير، ويجدها الصائم عندما يترك طعامه وشرابه، ولا يلاحظ أحداً من الناس، قد علم أن الله مطلع عليه، يعلم سرَّه ونجواهـ فامتنع عن كل مفطر، وترك كلمفسد لصيامه، وكل ذلك يورثه تقوى الله - جل في علاه -.
واشتمال الصيام على التقوى بينه الإمام السعدي - رحمه الله - فيتفسيره حيث قال عند آية الصيام: "فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيهامتثال أمر الله، واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يتركما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها التي تميل إليها نفسه،متقرباً بذلك إلى الله، راجياً بتركها ثوابه، فهذا من التقوى، ومنها: أنالصائم يدرب نفسه على مراقبة الله - تعالى -، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرتهعليه لعلمه؛ باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنهيجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي، ومنها: أن الصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى، ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين وهذا من خصال التقوى"3، ويقول أبو بكر البيهقي - رحمه الله تعالى -: "قال أبو عبد اللهالحليمي في مبسوط كلامه: قد أبان الله - عز وجل - أن الصوم من أسبابالتقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه، واجتناب المنهي عنهوالمكروه والمنزه عنه؛ لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار،وهو إنما يقي نفسه بما ذكرت"4.
2- ومن حكم الصوم ومقاصده وأسراره تزكية النفس وتطهيرها، وتهذيبهامما أصابها من درن الذنوب والمعاصي، ويذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الأجر الجزيل للصائم لتزكو نفسه بذلك فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنهقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من صامرمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))5، كما أخبرالنبي - صلى الله عليه وسلم - عن عظيم ثواب الصيام فعن أبي هريرة - رضي اللهعنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قالالله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة،وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنيامرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريحالمسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربهفرح بصومه))6، وعن أبي سعيد الخدري - رضي اللهعنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: 7..
3- والصوم يقوي العزيمة، ويربيالإرادة كما في الحديث: الصوم نصفالصبر))8، وفي الحديث: الصبر نصفالإيمان))9، فالصائم يصبر طاعة لله على الجوع والعطش، وكبت الغرائز والشهواتعن الحلال الذي بين يديه يوماً كاملاً طيلة شهر كامل، فلا شك أنه بذلكيتمرس على قوة الإرادة، وصلابة العزيمة.
4- وفي الصيام إعلان لمبدأ وحدة المسلمين، فتصوم الأمة وتُفطر فيشهر واحد، وفي هذا شعور بالقوة، وهو من المقاصد العظيمة التي لا بد أنيستشعرها كل مسلم، إذ أمر الله - تعالى - بالوحدة والتمسك بها فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْوَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ